يُحكي أن قائداً هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة.. وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرة تَجُبرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخرى، وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها.. وهكذا.
فأخذ القائد يراقب النملة باهتمام شديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيراً في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذ يجهزهم لخوض معركة جديدة.. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هو "الأمل" وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة، حتى قاده ذلك إلى النجاح المطلوب.
وفي شهر أغسطس من عام 1932م، أطلقت الجمعية الأمريكية للسياحة بين الكواكب صاروخها الأول، ولم يكن طوله يزيد عن (15)سم، وقطر قاعدته (7,5)سم، وكانت منصّة الإطلاق مكونة من قائمتين مصنوعتين من خشب الصنوبر! وقد غُطيتا بكمية وافرة من الصابون لتسهيل انزلاق الصاروخ إلى الأعلى (تأمل)، وقد وقف رئيس الجمعية "ديفيد لير" والمهندس "لورانس ماننج" يراقبان عملية الإطلاق من خلف أكياس الرمل!
وتفادياً لمشكلات الإشعال فقد كُلِّف أحد المهندسين المساعدين بإشعال الصاروخ بعود من الثقاب!! وبعد ثانيتين دار المحرك كما كان مقدراً له، ولكنه لم يلبث أن انفجر وطار إلى حيث وقع على بعد (170) متراً من منصة الإطلاق!
إنها – دون ريب – صورة غريبة عجيبة لا يكاد جيل اليوم يصدق أنها حدثت قبل 77 عاماً فقط، وانها كانت هي البداية لعصر الفضاء، الذي لا يفتأ يطلع علينا كل يوم بكشوفات جديدة لا تكاد تُصدق.
ومن المؤكد أنه لم يكن يخطر ببال أحد ممن شاهدوا تلك التجربة أنه لن يمضي سوى سنوات قليلة حتى يتمكن الإنسان من إرسال أول قمر صناعي، ليدور حول الأرض (القمر الصناعي السوفييتي "سبوتنيك1" في 4/10/1957م)، ثم سنوات أخرى قليلة ليطأ بقدميه أرض القمر.
وإذا ما قارنّا الآن تلك الصورة للصاروخ الأول، مع الصورة الحالية التي عليها محطات الفضاء، فإننا نجدها أشبه بفيلم كارتوني هزلي ضاحك!!
فأين مثلاً ذلك الصاروخ الضئيل، الذي لم يتجاوز طوله بضعة سنتيمترات، من صواريخ اليوم التي تناطح بقاماتها السحاب؟!
أضف إلى هذا، أن عملية إطلاق الصواريخ اليوم تتم تحت إشراف عدد كبير من الفنيين والخبراء والعلماء يزيد عن عشرة آلاف، موزعين في محطات المراقبة والتوجيه المختلفة والموزعة في أرجاء عديدة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهؤلاء – بطبيعة لحال – لا يقومون بالمراقبة من خلف أكياس الرمل، كما فعل أولئك الرواد الأوائل، بل يقومون بالمراقبة عبر شاشات التلفزيون والرادار والكمبيوتر، التي تعطي في نفس اللحظة جميع المعلومات المتعلقة بالصاروخ وبعملية الإطلاق.
وقد بلغت الصواريخ في أقل من نصف قرن درجة راقية من التطور، فأصبحت قادرة على الوصول إلى أية بقعة من الأرض أو من كواكب مجموعتنا الشمسية المترامية الأبعاد، بحيث يمكن مقارنة الدقة في توجيه الصواريخ وإيصالها لأهدافها بإصابة ذبابة تقف على رأس "تمثال الحرية" في نيويورك من بندقية قناص يقف على سطح "الكرملين" في موسكو!! وهذه – دون ريب – نقلة نوعية متميزة، استطاع بها العلماء تحويل الخيال إلى واقع، وجعل المستحيل ممكناً!
ويقول "دينيس ويتلي": الفشل ينبغي أن يكون معلماً لنا وليس مقبرة لطموحاتنا، والفشل ما هو إلا حالة تأخير وليس هزيمة، إنه تحول مؤقت عن الوصول إلى الهدف وليس نهاية مميتة، وهو شيء يمكننا تجنبه فقط بألا نقول أو نفعل أو نكون شيئاً.
فالحياة عبارة عن سلسلة من التجارب والخبرات، بعضها جيد والآخر سيئ، وكل واحدة من هذه الخبرات تجعلك أكثر قوة على الرغم من أنه غالباً ما تغفل عن إدراك ذلك! فكما يقول المثل: "الضربات التي لا تقصم الظهر تزيده قوة"، المهم أن تحاول ولا لمرة واحدة، فقد يحالفك التوفيق، ولا تستسلم للفشل، ولا تركن للكسل