سألت إحدى طالبات العلم
الشيخ
د. عبد السلام الحصين
قائلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت أعتقد أني صاحبة همة وجميع من حولي يشهد بهذا ..
لكن مع مرورالزمن والحوادث اكتشفت أني لست بصاحبة همة بل أماني وأحلام كاذبه !
أو على الأقل ليس عندي عزيمة !
بل هو حماس يومين ،ثلاثة ،أسبوع بالكثير ثم أفتر شهرشهرين !!
قلبي يحترق لحفظ القرآن وطلب العلم ، أريد أن أقدم على الله مقدماً مشرفاً بأن أكون عالمه عاملة
وداعية مخلصة ..
لاينقصني شيء وأثق بالقدرات الهائلة التي أعطاني الله إياها
قكيف أرفع همتي وأقوي عزيمتي ؟
أريد خطوات عمليه ..
هل هناك أدعية معينة تزيد الهمة وهل هناك كتب تنصحني بقرائتها ؟
نعم قرأت كتب علو الهمة .. فتحمست فترة ثم عدت للنوم !
أجيبوني يحفظكم الله فقد أكون حسنة من حسناتكم وباب خير لاينقطع بحول الله وقوته ..
جزاكم الله خيراً
فأجابها حفظه الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إنه شيء عجيب فعلاً أن يمتلك الإنسان قدرات ، ويكون لديه إرادة
في تحقيق بعض الأمور
وتصور جيد لأثر طلب العلم على نفسه ومجتمعه ثم يكون هذا حاله وإنما تعجبت لأن مثل هذه الحالة تكون فريده ..
لقد قرأتم كتاباً في علو الهمة .
ومع ذلك مازلتم تشكون من هبوط حاد في العزيمة ولست أدري ماطبيعة الكتاب ولاهي مواضيعه ولكني سأفترض علاجاً
أرجوا أن يكون نافعاً
إن سؤالكم جاء بكيف أرفع همتي ؟
والسؤال بكيف معناه ماهي الوسائل والطرق التي أتبعها لترتفع همتي .
وأظن أن السؤال كان من المفترض أن يكون لماذا أرفع همتي ؟
هكذا بدا أن يكون السؤال
وهكذا ظهر لي من حالكم في ضوء ماكتبتم ولهذا سيكون جوابي
على هذا السؤال المفترض
فأقول
هناك عدد من الأمور تحكم تصرفات الإنسان فهو يتحرك بناءً عليها
ولعل أهم شيء في ذلك
هو التصور لحقيقة مانفعله .
إن الإنسان إنما يتحرك بمقصد ونية كما قال صلى الله عليه وسلم
( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء مانوى )
وهذا معناه أن الإنسان في قيامه بعمل ما هو يقصد من ورائه شيئاً وهذا القصد هو الذي يستحثه على العمل وإذا لم يتحقق له المقصد فإنه يفتر أو يضعف او ينقطع .
فلو ان شخصاً احب السمك
مثلاً
فسيسعى للحصول عليه ولكن حين يصيبه منه مرض
أو تتغير نظرته إليه ، فلن يوجد الدافع الذي يدفعه للبحث عنه
وحين يتعلق قلب الشخص بمحبة آخر فإنه يتحرك في البحث عما يقربه منه ويوصله إليه
وحين تتغير هذه الإرادة ، بسبب تنكر القلب لهذه المحبة تضعف الجوارح عن التحرك فيما كانت تتحرك فيه من قبل .
وعلى هذا فكلما اكتمل تصور الإنسان لحقيقة مايطلبه
وكانت له فيه إرادة صحيحة ومحبة صادقة فلابد أن يتحرك من اجل الحصول عليه ويبذل مايستطيع لأجله
ويمكن التعبير عن هذا بسؤال
وهو لماذا أتحرك بهذا الإتجاه
وأبذل طاقتي فيه ؟
وأمر آخر له علاقة بالمقصد من الفعل وهو اللذة الحاصلة من الفعل
أو به
وأني باللذة الحاصلة من الفعل
مايقع من التلذذ بعد الفعل
وإن لم تكن اللذة موجودة حال الفعل وأما اللذة بالفعل
فهي ان تكون اللذة مصاحبة للفعل من بدايته إلى نهايته
بحيث يتلذذ بالفعل نفسه
ويتلذذ بنتيجته ، ويتضح هذا
بالمثال
المسلم له درجتان في تعبده لله
الدرجة الأولى
التعبد لله تعالى
مع ملاحظة نعمه وآلائه
وملاحظة فائدة التشريعات التي شرعها
وإدراك ثمرتها في الدنيا قبل الآخرة على التفصيل
فيعلم مافي الصلاة من فوائد على القلب ، والروح
ويحس بأثرها على النفس ، ويلمس آثارها على اتساع الصدر وانشراحه ويستشعر حقيقة وقوفه
بين يدي الله تعالى
ويتصور ذلك في قلبه تصوراً يحوله إلى حقيقة تجعله يقف وهو خاضع خاشع
قد انكشف الحجاب بينه وبين ربه تبارك وتعالى .
فهنا يحصل له تلذذ بالعبادة نفسها ولهذا يطيل فيها ويأنس بها
ويحب تكرار فعلها وتشتاق نفسه للعودإليها وهذا معنى قوله
صلى الله عليه وسلم
( ورجل قلبه معلق بالمساجد )
وقوله صلى الله عليه وسلم
( وجعلت قرة عيني في الصلاة )
وهذا مقام المشاهدة .
والدرجة الثانية
التعبد لله تبارك وتعالى مع ملاحظة نعمه وآلائه على الجملة دون معرفة بتفصيل مافي العبادات والتشريعات من حكم عظيمة ومقاصد جليلة وفوائد جمة على النفس والقلب والبدن .
لكن يقع في قلبه أن الله حكيم عليم ومقتضى علمه أنه ماشرع الشرائع إلا لما فيها من المصالح
لكن عاجز عن إدراك مصالحها على التفصيل ولم يحصل له من التذوق لهذه المصالح مايعينه على إدراك درجة الحكمة في الفعل
فهذا يجاهد نفسه على الفعل
لكن لايقع له به تلذذ كما يقع للأول . إلا أن التلذذ يقع له بعد الفعل
فحين ينتهي من عبادته يحس براحة وطمأنينة
لأنه فعل ماينقذه من النار ويدخله الجنة ويقربه من الله تبارك وتعالى . وهذا مقام المراقبة .
وقد يضعف بعض الناس عن هذا المقام فينحط قليلاً عنه عنه فيقع له بسبب ذلك إهمال للواجبات ووقوع في المحرمات
لقصوره في تصوره ، أو ضعف في إرادته وهمته
وعلى هذا فإن معرفة نتيجة الفعل وثمرته تعين على الصبرعليه
ولولم يقع تلذذ حال فعله .
فلابد من ملاحظة القصد من الفعل ولابد من ملاحظة نتيجة الفعل وثمرته التي قد لاتقع إلا بعد مشوار طويل من التعب والنصب
والقراءه والحفظ والمذاكرة
وفي مثل هذه الحالة التي أنتِ فيها ينبغي لك مراجعة مقاصدك من ازدياد الهمة في بعض الحالات ولابد من ملاحظة درجة التلذذ بالفعل
وهل يقع لك كراهية للفعل أثناء فعله لعدم إدراك ثمرته الآنيه ..!
إن الإنسان حين يقوم بشيء ما ويحصل له ثناء عليه بسببه يحس بطاقة في داخله تدفعه بقوة للمواصلة في هذا الطريق
لكن حين ينقطع الثناء ، أو يتحول إلى ذم أو نقد جارح فإنه يحصل ردة فعل قوية تذهب تلك الطاقة
فتضعف عزيمته ويحس بثقل مواصلة الطريق على نفسه فيقع بين
شعورين متضادين .
الأول
شعور بأهمية العمل وضرورته
وأنه مثمر في ذاته
الثاني
شعور بعدم الراحة بفعلة بسبب النقد المصاحب له او الذم أو عدم إدراك ثمرته الآن .
فإن غلب شعوره الأول أفلح وحصل له مقصوده ، وإن غلب شعوره الثاني فترت عزيمته وانقطع عن عمله وبقي فاتراً ، لايدري مايصنع .
سؤال يجب أن تطرحيه وبقوة
لماذا أطلب العلم ؟
وعندما يكون الجواب صادقاً مطابقاً للواقع سيكون للجوارح استجابة بقدر صدق الجواب وواقعيته .
وسؤال آخر لايقل أهمية عن الأول
ماذا استفدت من تعلم العلم الشرعي ؟
وأظنك أدرى بالفائدة التي جنيتيها
انا أعلم أن الفائدة قد لاتكون حسية فلاجاه ولامنصب ولاوظيفة ولازوج ولاولد .
إن العلم الشرعي ليس شرطاً أن ينتج شيئاً من ذلك ولكنه قد يقع به شيء من ذلك ، بل وأشياء من أمور الدنيا كثيرة إلا أن هذا ليس بلازم له .
ولكن مما هو مؤكد أن طلب العلم الشرعي يقع به ثمرات عظيمةعلى النفس والمجتمع ، وثمرات عظيمة يوم القيامة .
وعندما يكون الجواب صادقاً أيضاً فإنه ينبني عليه علو الهمة وفتورها وضعفها.
وسؤال ثالث أيضاً
وهو ماهي أهدافي في الحياة ؟
مما يؤسف له أننا نضعف عن مواجهة مثل هذا السؤال ونظهر شيئاً ونحن نبطن غيره.
إن الذي يرسم اهدافه بصدق
ويكون صريحاً في تحديدها
لابد أن يسعى في تحقيقها.
فهذه ميزة الإنسان أنه متحرك حساس بالإرادة
فله هدف يتصوره ويسعى له .
والذي يعيش بلا هدف تتحول حياته إلى جحيم لايطاق وكل يوم يمضي عليه كانه سنة كاملة ، لأنه لايدري مايصنع فيه ، ولا ماسياتي بعده والأيام كلها في عينه سواء .
والجواب عن هذا السؤال
بصدق ينبني عليه معرفة ماهي الأشياء التي تشغل تفكيري فتحول بيني وبين طلب العلم ؟
هذا ماتيسر لي قوله .
وأرجوا ان ينفع الله به
وان يكون فيه شفاء لضعف الهمة .
منقول للفائدة