أبطال وشهداء
الإنسان المصرى عرف عنه دائما الإرادة القوية والتضحية بكل شيء لرفع رايات الوطن عالية خفاقة وفى الذكرى الـ 35 للعبور العظيم نعرض نبذة عن بعض القادة والشهداء الذين كان لهم دور مؤثر فى تحقيق النصر مع التأكيد في الوقت ذاته أن هناك بطولات أخرى نالت إعجاب العدو قبل الصديق وتحتاج إلى مئات الكتب والمجلدات لحصرها.
السادات .. صاحب قرار الحرب والسلام
ولد محمد أنور السادات في قرية ميت أبو الكوم، مركز تلا بمحافظة المنوفية في 25 ديسمبر 1918 ، واستمر حكمه 11 عاما من 1970 وحتى 1981 ، وحصل على جائزة نوبل للسلام لجهوده الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
كان السادات أحد ضباط الجيش المصري وفي فترة الحرب العالمية الثانية كان خلف القضبان لمحاولته الحصول على الدعم من دول المحور لطرد الإنجليز المحتلين لمصر في تلك الفترة.
والسادات هو أحد المساهمين بثورة يوليو 1952 التى أطاحت بالملك فاروق وتقلّد عدة مناصب في حكومة الثورة منها ، رئيس تحرير جريدة الجمهورية 1955- 1956
، وزير دولة من 1955 إلى 1956 ، نائب رئيس مجلس الأمة من 1957 إلى 1960 ، رئيس مجلس الأمة من 1960 إلى 1968 ، سكرتير عام الاتحاد الوطني المصري من 1957 إلى 1961 ، رئيس مجلس التضامن الأفرو آسيوى 1961 ، عضو مجلس رئاسي من 1962 إلى 1964 ، رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي عام 1970 ، عضو مجلس أعلى للطاقة النووية عام 1975 ، حتى وصل إلى منصب نائب رئيس الجمهورية في عام 1969، وأصبح رئيساً للجمهورية في عام 1970 عند وفاة الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر، وبدأ العمل الفعلي في 17 أكتوبر 1970.
اتخذ السادات خلال فترة حكمه عدة قرارات تاريخية خطيرة أبرزها :
في 15مايو عام 1971 اتخذ الرئيس السادات قراراً حاسماً بالقضاء على مراكز القوى المسيطرة على الحكم وهم من رجالات عبد الناصر ونظام حكمه، وهو ما عرف بثورة التصحيح في 15 مايو 1971 .
عام 1973 أقدم السادات على اتخاذ أخطر القرارات المصيرية له ولبلاده وهو قرار الحرب ضد إسرائيل ، وهى الحرب التي أعد لها السادات منذ اليوم الأول لتوليه الحكم في أكتوبر 1970 فقاد مصر إلى أول انتصار عسكري في العصر الحديث.
السادات اتخذ قرارات تاريخية
عام 1974 قرر السادات رسم معالم جديدة لنهضة مصر بعد الحرب بانفتاحها على العالم فكان قرار الانفتاح الاقتصادي.
عام 1975 استكمل مسيرة انفتاح مصر على العالم فكان قراره بعودة الملاحة إلى قناة السويس وربط مصر بكل بقاع العالم فأنشأ بذلك السادات مورداً جديداً يضخ الأرباح الوفيرة في شرايين الاقتصاد المصري.
عام 1976 ، كان قراره بعودة الحياة الحزبية ، فظهرت المنابر السياسية ومن رحم هذه التجربة ظهر أول حزب سياسي وهو الحزب الوطني الديمقراطي كأول مولود حزبي كامل النمو بعد ثورة يوليو ثم تولى من بعده ظهور أحزاب أخرى كحزب الوفد الجديد وحزب التجمع الوحدوي التقدمي وغيرها.
في 19 نوفمبر 1977 ، قام السادات بزيارة مفاجئة لإسرائيل دون النسيق مع الجامعة العربية أو الدول العربية منفردةً .لم تكن ردود الفعل العربية إيجابية لزيارة لإسرائيل وعملت الدول العربية على مقاطعة مصر وتعليق عضويتها بالجامعة العربية، ونقل المقر الدائم للجامعة من القاهرة الى تونس (العاصمة)، وكان ذلك في القمة العربية التي تم عقدها في بغداد بناء على دعوة من الرئيس العراقي احمد حسن البكر في 2 نوفمبر 1978 والتي تمخض عنها مناشدة الرئيس المصري للعدول عن قراره بالصلح المنفرد مع اسرائيل الذى يلحق الضرر بالتضامن العربي ويؤدي إلى تقوية وهيمنة اسرائيل وتغلغلها في الحياة العربية وانفرادها بالشعب الفلسطيني كما دعا العرب الى دعم الشعب المصري بتخصيص ميزانية من 11 مليار دولارا لحل مشاكله الاقتصادية إلا أن السادات رفض تلك الدعوة مفضلا الاستمرار بمسيرته السلمية المنفردة مع إسرائيل.
عام 1978 قام السادات برحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التفاوض لاسترداد الأرض وتحقيق السلام وخلال هذه الرحلة اجتمع في كامب ديفيد مع كل من الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلى الاسبق مناحم بيجين وتم الاتفاق على إبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل تستعيد مصر من خلالها بقية أراضيها المحتلة.
عام 1979 وقع الرئيس السادات معاهدة السلام مع إسرائيل وحصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع مناحم بيجين.
عام 1980 ، جنت مصر أولى ثمار جهاد السادات من أجل السلام بعودة العريش وثلثي سيناء إلى أحضان مصر مرة أخرى .
بحلول خريف عام 1981، وبسبب الانتقادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل ، انتشرت في مصر حملة اعتقالات واسعة شملت المنظمات الإسلامية والقبطية ووصل عدد المعتقلين في السجون المصرية الى 1600 معتقلا مما جعل الحكومة المصرية محطة انتقاد واستنكار عالمية على إجراءاتها التعسفية وظهر السادات في مجلس الشعب وهو يكيل الشتائم على رجال الدين مما ادى الى امتعاض قطاعات واسعة من الشعب.
مبارك قاد المسيرة بعد اغتيال السادات
وفي 6 أكتوبر من عام 1981 وأثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر، اغتيل السادات في عرض عسكري وقام بتنفيذ العملية “خالد الاسلامبولي” التابع لمنظمة الجهاد الإسلامي التي كانت تعارض بشدّة اتفاقية السلام مع إسرائيل ولم يرق لها حملة القمع المنظمة التي قامت بها حكومة السادات في شهر سبتمبر ، ودفن بالقرب من مكان مقتله في ساحة العرض العسكري بجوار قبر الجندي المجهول .
ويرى مراقبون أن السادات فى النهاية بشر وله أخطائه إلا أن التاريخ لن ينسى له أنه صاحب قرار الحرب والسلام وقاد مصر بسلام في فترة عصيبة جدا .
الرئيس مبارك .. قائد الضربة الجوية الأولى
ولد في قرية كفر مصيلحه بمحافظة المنوفية في 4 مايو 1928 ، وفي عام 1950 التحق بالكلية الجوية حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الجوية.
وتدرج بعد ذلك في عدد من المناصب القيادية في القوات الجوية المصرية: كطيار، ثم مدرس، فقائد تشكيلات، فقائد لقاعدة جوية، وتلقى دراسات عليا بأكاديمية “فرونز” العسكرية في الاتحاد السوفيتي.
وقد تميز الرئيس مبارك طوال فترة عمله بالقوات الجوية بالانضباط والتميز، وهو ما أهله لأن يعين في عام 1964 قائداً لإحدى القواعد الجوية غرب القاهرة، ليكون أصغر طيار يقود قاعدة جوية.
وفى عام 1967 عُين مديراً للكلية الجوية، ثم رئيساً لأركان حرب القوات الجوية المصرية وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى تم تعيينه قائداً للقوات الجوية عام 1972.
وخلال هذه الفترة، تمكن من إعداد كوادر جوية مقاتلة خاضت معركة أكتوبر 1973 وكان الرئيس مبارك صاحب خطة الضربة الجوية الأولى.
عقب حرب أكتوبر 1973، رقي لمنصب فريق جوى وفى عام 1975، اختاره الرئيس السادات نائبا لرئيس الجمهورية، ثم عُين نائباً لرئيس الحزب الوطني الديمقراطي عام 1978.
وفي عام 1981، انتخب مبارك رئيساً لجمهورية مصر العربية، ورئيساً للحزب الوطني الديمقراطي. وأعيد انتخابه كرئيس للجمهوريـة في أعوام 1987، 1993، و1999 و2005 لأربع فترات متتالية.
تميزت رئاسة مبارك بعدد من الإصلاحات السياسية وكان أولها بعد توليه السلطة بأسبوعين حين أمر بإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين واستقبلهم في مكتبه ، وتضمنت الإصلاحات السياسية الأخرى زيادة مساحة حرية الصحافة وإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان كمجلس مستقل يروج لثقافة وممارسة حقوق الإنسان في مصر، وأخيرا طرحه لتعديل دستوري يغير نظام انتخاب الرئيس من الاستفتاء الشعبي إلى الانتخابات التعددية.
وعندما تولى الرئاسة، كانت مصر تمر بظروف داخلية وإقليمية صعبة فقد كانت محاصرة بقطيعة عربية وضغوط دولية وأزمات اقتصادية ، ومنذ بداية توليه مهامه كرئيس للجمهورية، اتبع الرئيس مبارك سياسة خارجية تقوم على توطيد علاقات مصر مع غالبية دول العالم وكانت إدارته للنزاع الحدودي بين مصر وإسرائيل حول منطقة “طابا” في سيناء، أول نجاح له في هذا المجال إذ عاد جزء إستراتيجي من شبه جزيرة سيناء إلى السيادة المصرية من خلال التحكيم الدولي.
أعقب ذلك إنجاز آخر على مستوى المنطقة، وهو استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر والدول العربية بعد أن كانت قد تأزمت في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979.
وفى عام 1990، استعادت مصر أيضاً عضويتها في الجامعة العربية، وعاد مقر الجامعة إلى القاهرة.
وقد استعادت مصر قيادتها للمنطقة العربية بفضل الدبلوماسية البناءة للرئيس مبارك وهو ما أكده الدور الذي لعبته مصر في العديد من القضايا المصيرية للأمة العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية التي احتضنتها مصر واستحوذت على الجزء الأكبر من جولات الرئيس مبارك الخارجية واتصالاته مع زعماء العالم.
كما بذلت مصر جهوداً واضحة في تحقيق السلام العادل وإعادة الأراضي الفلسطينية لأهلها ورفضت ممارسة أي نوع من الضغوط على القيادة الفلسطينية للتنازل أو التفريط في بعض حقوق الشعب الفلسطيني.
الفريق سعد الدين الشاذلى
شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 إلى 12 ديسمبر 1973 ، ويعتبر أحد أهم خمس شخصيات أدت دوراً حيوياً ومحورياً فى إدارة الحرب بكفاءة وساهمت في تحقيق النصر بجانب الرئيس الراحل أنور السادات وقائد القوات الجوية الرئيس الحالى محمد حسنى مبارك ووزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل ورئيس هيئة العمليات المشير محمد عبد الغني الجمسي ، كما أنه أحد القادة العسكريين البارزين الذى شارك في حروب 48 و 57 و1973.
وللشاذلي أحد أهم الكتب الوثائقية التي تروي قصة الحرب بعنوان “مذكرات حرب أكتوبر”، لكن الكتاب لا يزال ممنوعاً بشكل رسمي من التداول والنشر في مصر. إلا أن دار نشر أميركية خاصة تحمل اسم “دار بحوث الشرق الأوسط” أخذت على عاتقها إنشاء موقع إلكتروني رسمي على شبكة الإنترنت للفريق الشاذلي، يحمل اسمه، من أجل عرض نسخة مجانية من كتابه.
والشاذلي ولد في إبريل 1922، وهو المؤسس لوحدة المظلات في الجيش المصري وأصبح قائد كتيبة الجندي المظلي الأولى (1954ــ1959) ، قائد الفريق العربي في الكونغو (1960ــ1961) ملحقاً عسكرياً في لندن (1961ــ1963)، قائد لواء المشاة (1965ــ6619)، قائد القوّات الخاصّة (1967ــ1969) ، قائد منطقة البحر الأحمر (1970ــ1971). وفي مايو 1971 عيّن رئيس هيئة أركان القوّات المسلّحة المصرية حتى عام 1973.
الفريق محمد عبد الغنى الجمسى
شغل منصب السفير المصري لدى بريطانيا (1974ــ1975) وبعد ذلك في البرتغال في 1975، حتى طرد في عام 1978 بعد انتقاده سياسات الرّئيس أنور السادات ورفضه لمبادرة السلام مع إسرائيل وزيارة السادات لتل أبيب.
وصدر ضد الشاذلي حكم قضائي بالسجن ثلاث سنوات بتهمة عدم حصوله على إذن مسبق من السلطات المختصة لنشر كتابه عن “حرب أكتوبر” وما تضمنه من أسرار عسكرية .
وسيذكر له التاريخ رغم اختلافه مع السادات أنه مهندس حرب أكتوبر الذي وضع التصميم وأشرف على الإعداد وأدار المعركة و الشخصية الرئيسية التي تحركت على جبهة القتال وسط القوات ولم يقبع في قصر القيادة وإنما تحرك واتخذ القرارات المناسبة على الطبيعة.
المشير أحمد إسماعيل
بعد أيام من النكسة أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بإقالة عدد من الضباط وكبار القادة وكان من بينهم أحمد إسماعيل، وبعد أقل من 24 ساعة أمر الرئيس عبد الناصر بإعادته للخدمة وتعيينه رئيسا لهيئة العمليات.
تم تعيينه في العام نفسه قائدا عاما للجبهة، وكان لديه شعور وإحساس قوي ان الجيش المصري لم يُختبر في قدراته وكفاءته خلال حرب 1967 ولم يأخذ فرصته الحقيقية في القتال، وكان يعتقد أن المقاتل المصري والعربي لم تتح له الفرصة لمنازلة نظيره الإسرائيلي منازلة عادلة لأنه لو أتيحت له هذه الفرصة لكانت هناك نتيجة مغايرة تماما لما حدث في النكسة.
وكان على قناعة تامة بأنه لا يمكن استرداد الأرض المصرية والعربية التى سلبتها إسرائيل عام 1967 بدون معركة عسكرية تغير موازين المنطقة وترفع لمصر والعرب هامتهم، لذلك بدأ في إعادة تكوين القوات المسلحة فأنشأ الجيشين الثاني والثالث الميدانيين، وكان له الفضل في إقامة أول خط دفاعي للقوات المصرية بعد 3 أشهر من النكسة.
جمع شتات القوات العائدة من سيناء وأعاد تنظيمها وتسليحها وخلال فترة وجيزة خاض بهذه القوات معارك أعادت الثقة للجندي المصري في رأس العش، والجزيرة الخضراء ودمرت القوات البحرية المدمرة الإسرائيلية إيلات.
بعد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض في 9 مارس 1969 ، اختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليتولى منصب رئيس الأركان وهو المنصب الذى أعفي منه في العام نفسه حينما أعفاه الرئيس عبد الناصر من جميع مناصبه!.
عكف بعد إعفائه من مناصبه على كتابة خطة حربية مثالية لإستعادة سيناء وأنهى هذه الخطة بالفعل معتمدا على خبرته وما يملكه من قراءات موسوعيه في التاريخ العسكري، وقرر إرسال الخطة للرئيس عبد الناصر لكنه أحجم عن ذلك في اللحظة الأخيرة.
بعد وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1970 وتولى الرئيس أنور السادات تم تعيين أحمد إسماعيل في 15 مايو 1971 مديرا للمخابرات العامة وبقى في هذا المنصب قرابة العام ونصف العام حتى 26 أكتوبر 1972 عندما أصدر الرئيس السادات قرارا بتعيينه وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة خلفا للفريق محمد صادق ليقود إسماعيل الجيش المصري في مرحلة من أدق المراحل لخوض ملحمة التحرير.
في 28 يناير 1973 عينته هيئة مجلس الدفاع العربي قائدا عاما للجبهات الثلاث المصرية والسورية والاردنية.
منحه الرئيس السادات رتبة المشير في 19 فبراير عام 1974 اعتبارا من السادس من أكتوبر عام 1973 وهي أرفع رتبة عسكرية مصرية، وهو أول ضابط مصري على الإطلاق يصل لهذه الرتبة .
تم تعيينه في 26 أبريل 1974 نائبا لرئيس الوزراء ، وتوفى فى 25 ديسمبر عام 1974.
الفريق محمد عبد الغنى الجمسى
ولد عام 1921 لأسرة ريفية كبيرة العدد فقيرة الحال يعمل عائلها في زراعة الأرض في قرية البتانون بمحافظة المنوفية، وتخرج من الكلية الحربية عام 1939 في سلاح المدرعات مع عدد من أبناء جيله وطبقته الاجتماعية الذين اختارهم القدر لتغيير تاريخ مصر حيث كان من جيله جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح وجمال سالم وخالد محيي الدين وغيرهم من الضباط الأحرار.
ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية ألقت به الأقدار في صحراء مصر الغربية ، حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة روميل، وكانت تجربة مهمة ودرسا مفيدا استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما حين أتيح له الاستفادة منه في حرب رمضان.
وعقب انتهاء الحرب واصل الجمسي مسيرته العسكرية ، فتلقى عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الإستراتيجية إلى المواجهة .
فكان الصراع العربي الإسرائيلي هو المجال الذي برع فيه الجمسي، وقضى فيه عمره كله الذي ارتبطت كل مرحلة فيه بجولة من جولات هذا الصراع منذ حرب 1948 وحتى انتصار 1973، وحتى بعد اعتزاله للحياة العسكرية ظل مراقبا ومحللا للوضع المشتعل، محذرا من أن أكتوبر ليست نهاية الحروب وأن حربا أخرى قادمة لا محالة لأن مواجهة مصيرية لابد أن تقع وأن الانتفاضة الفلسطينية هي السلاح الأفضل والأنجع حاليا لمواجهة إسرائيل ولابد من دعمها بكل ما نملك.
وكانت هزيمة يونيو بداية تصحيح المسار في مواجهة آلة الحرب الصهيونية ، حيث أسندت القيادة المصرية للجمسي مهام الإشراف على تدريب الجيش المصري مع عدد من القيادات المشهود لها بالاستقامة والخبرة العسكرية استعدادا للثأر من الهزيمة النكراء، وكان الجمسي من أكثر قيادات الجيش دراية بالعدو، فساعده ذلك على الصعود بقوة، فتولى هيئة التدريب بالجيش، ثم رئاسة هيئة العمليات، ورئاسة المخابرات الحربية، وهو الموقع الذي شغله عام 1972، ولم يتركه إلا أثناء الحرب لشغل منصب رئيس الأركان.
لم يضيع الجمسي يوما واحدا ، فبدأ الاستعداد لساعة الحسم مع العدو فكان لا يتوقف عن رصده وتحليله وجمع كل المعلومات عنه، وعندما تم تكليفه مع قادة آخرين بإعداد خطة المعركة أخذ يستعين بكل مخزون معرفته، وبدأ تدوين ملاحظاته عن تحركات الجيش الإسرائيلى وتوقيتات الحرب المقترحة وكيفية تحقيق المفاجأة ، وللحفاظ على السرية التامة دوَّنَ كل هذه المعلومات السرية في الشيء الذي لا يمكن لأحد أن يتصوره فقد كتب الجمسي كل هذه المعلومات في كشكول دراسي خاص بابنته الصغرى فلم يطلع عليه أو يقرأه أحد إلا الرئيس أنور السادات والرئيس السوري حافظ الأسد خلال اجتماعهما لاتخاذ قرار الحرب.
واختار القائد المصري المحنك توقيت الحرب بعناية بالغة ، الساعة الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان 1393، وهو أنسب توقيت ممكن للحرب نظرا لوجود 8 أعياد يهودية وموافقته لشهر رمضان ولأن التنسيق بين الجيشين المصري والسوري كان من أصعب مهام الحرب ويحتاج إلى قائد من طراز فريد لم يكن هناك أفضل من الجمسي.
عاش رئيس هيئة العمليات المسئول الأول عن التحركات الميدانية للمقاتلين ساعات عصيبة حتى تحقق الانتصار، لكن أصعبها تلك التي تلت ما عرف بثغرة الدفرسوار التي نجحت القوات الإسرائيلية في اقتحامها، وأدت إلى خلاف بين الرئيس السادات ورئيس أركانه وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي الذي تمت إقالته على إثرها ليتولى الجمسي رئاسة الأركان، فأعد على الفور خطة لتصفية الثغرة وأسماها “شامل”، إلا أن السادات أجهضها بموافقته على فض الاشتباك الأول عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر للقاهرة.
وبانتهاء المعركة وتكريم اللواء الجمسي، وترقيته إلى رتبة الفريق، ومنحه نجمة الشرف العسكرية لم تنته الساعات العصيبة في حياة الجمسي فقد عاش ساعات أقسى وأصعب هي ساعات المفاوضات مع عدو ظل يقاتله طيلة أكثر من ربع قرن.
اختار السادات الفريق الجمسي ليتولى مسئولية التفاوض مع الإسرائيليين فيما عرف بمفاوضات الكيلو 101، وكقائد تجري دماء العسكرية في دمه نفذ الجمسي أوامر القيادة التي يختلف معها، وإن كان قد قرر ألا يبدأ بالتحية العسكرية للجنرال “ياريف” رئيس الوفد الإسرائيلي وألا يصافحه، وهذا ما حدث فعلا وبدا الرجل مفاوضا صلبا مثلما كان عسكريا صلبا، حتى جاءت أصعب لحظات عاشها الفريق في حياته كلها ، لحظات دفعته -لأول مرة في حياته العسكرية- لأن يبكي .
كان ذلك في يناير 1974 عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ليخبره بموافقة الرئيس السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس ، فرفض الجمسي ذلك بشدة، وسارع بالاتصال بالسادات الذي ما كان منه إلا أن أكد موافقته ليعود الرجل إلى مائدة التفاوض يقاوم الدموع ثم لم يتمالك نفسه فأدار وجهه ليداري دمعة انطلقت منه حارقة حزنا على نصر عسكري وأرواح آلاف الرجال تضيعها السياسة على موائد المفاوضات.
وكانت مفاجأة لهنري كيسنجر أن يرى دموع الجنرال الذي كثيرا ما ذكر له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين العرب.
بعد الحرب مباشرة رقي الفريق الجمسي إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975 ورغم أن قرار السادات بألا يخرج كبار قادة حرب أكتوبر من الخدمة العسكرية طيلة حياتهم كان يعتبر تكريما لهم ، إلا أن السياسة أفسدت هذا التكريم ، فقد تزايدت مساحة الخلاف بين الجمسي والسادات بعد مبادرة الأخير بالذهاب إلى إسرائيل عام 1977.
وخرج الجمسي من وزارة الحربية عام 1978 واختلف الناس حول أسباب هذا الإبعاد ولكن ظل السبب الأرجح هو رفض الجمسي نزول الجيش إلى شوارع مصر لقمع مظاهرات خرجت في 18 و19 يناير 1977 احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وبعد خروج الجمسي تغير اسم وزارة الحربية إلى وزارة الدفاع إلا أنه رقي عام 1979 إلى رتبة المشير وحين خرج للحياة المدنية كان أول قرار له هو رفض العمل بالسياسة وظل محافظا على ذلك وكان دائما ما يردد أن الرجل العسكري لايصلح للعمل السياسي وأن سبب هزيمتنا عام 1967 كان بسبب اشتغال وانشغال رجال الجيش بالألاعيب في ميدان السياسة فلم يجدوا ما يقدمونه في ميدان المعركة.
وأطلق على الجمسى ألقاب كثيرة منها إجراء مقارنة بينه وبين الجنرال الألماني الشهير روميل فسمي “ثعلب الصحراء المصري” نظرا لبراعته في قيادة معارك الصحراء، ولُقب أستاذ المدرعات التي احترف القتال في سلاحها منذ تخرجه في الكلية الحربية ، إلا أن أغرب الألقاب التي أطلقت على المشير الجمسي فكان ذلك الذى أطلقته عليه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبر حين وصفته بـ”الجنرال النحيف المخيف” ، أما أحب الألقاب إلى قلبه فكان لقب “مهندس حرب أكتوبر” نظرا لاعتزازه بالحدث وفخره به.
وفي 7-6-2003 توفى الجمسى عن عمر ناهز 82 عاما ، بعد حياة حافلة بالانتصارات وأقيمت له جنازة مهيبة حضرها كبار رموز الدولة والعسكرية المصرية تكريما ووفاء لذكرى هذا الرجل الأسطورة .
شهداء لن ينساهم التاريخ
مصر لاتنسى أبدا أبناءها الشهداء الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل كرامة الوطن ، ولذا يضع الرئيس مبارك خلال الاحتفال بنصر أكتوبر كل عام اكليلا من الزهور على قبر الجندى المجهول ، كما تحتفل مصر في كل عام بيوم الشهيد الموافق 9 مارس .
النصب التذكارى للجندى المجهول
يقع فى شارع صلاح سالم وقد تم إنشاؤه عام 1975 بعد انتصارات حرب أكتوبر 1973 حتى يظل شاهدا على ملحمة العبور العظيم وفي الوقت ذاته يؤكد العرفان والوفاء للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل
مصر.
وقد تم دفن رفات أحد الجنود المجهولين التى عثر عليها فى أرض المعركة فى هذا المكان الذى صار رمزا للجندى المجهول والفداء والتضحية والإيثار .
يوم الشهيد
في هذا اليوم تحيى مصر ذكرى استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض في 9 مارس 1969 ، ورغم أنه لم يشارك في حرب أكتوبر إلا أنه كان له دور مؤثر فيما تحقق فيها من إنجاز تاريخى .
الرئيس مبارك يحرص على زيارة قبر الجندى المجهول
ولد عبد المنعم رياض في 23 أكتوبر 1919 في طنطا بمحافظة الغربية وتخرج من بالكلية الحربية فى 21 فبراير 1938 برتبة ملازم ثان وكان ترتيبة الثانى على دفعته ثم التحق بكلية أركان الحرب وحصل على ماجيستير العلوم العسكرية عام 1944 ، وكان ترتيبة الأول على الخرجين.
شارك فى عدة حروب بداية من الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين 1948 والعدوان الثلاثى عام 1956 ، وحرب يونيو 1967 ، وأسهم فى إعادة البناء العسكرى للقوات المسلحة بعد النكسة .
فى 11 يونيو 1967 وبعد ستة أيام من نشوب الحرب ووقوع النكسة تم تعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة وبدأ مرحلة إعادة البناء.
كانت إسرائيل تزعم أن المشاة المصريين الذين يواجهونها أقل خطورة من الدبابات ومن هنا بدأ عبد المنعم رياض تطوير حرب المدرعات منذ عام 1968 ، وأصبح المقاتل المصرى فى حرب أكتوبر 1973 بديلا مدمرا للدبابة فيما يشبه المعجزة العسكرية ، حيث كان الجنرال جورديان معلم حرب المدرعات الألمانى يبنى كل خططه على أساس أن الحديد لا يفله إلا الحديد ، وأن الدبابة لا تدمرها إلا دبابة .
ولعل أكبر إنجاز لرئيس الأركان الأسبق الفريق عبد المنعم رياض بحسب المراقبين هو تصميمه لخطة الحرب ” الخطة 200 ” للوصول بعد حرب التحرير إلى حدود مصر الدولية مع إسرائيل ، وقد انبثقت عنها خطة مرحلية أطلق عليها اسم ” جرايت ” وتتضمن اقتحام خط بارليف والوصول إلى المضايق الاستراتيجية الحاكمة فى جزيرة سيناء وهناك من أشار إلى أن حرب أكتوبر كانت فى جزء كبير منها تنفيذا للخطة ” جرانيت ” التى وضعها عبد المنعم رياض كجزء من الخطة ” 200 ” .
قصة استشهاده
فجر الثامن من مارس 69 فتحت المدفعية المصرية نيرانها بكل أعيرتها المختلفة على مواقع العدو وتحصيناته ، حيث كانت إسرائيل قد انتهت من بناء خط بارليف وأعلن مدير المدفعية المصرية وقتها بداية تحول القوات المصرية من مرحلة الصمود إلى مرحلة الاستنزاف .
ونتيجة لاشتداد حدة المعارك ، قرر عبد المنعم رياض أن يطير إلى الاسماعيلية لمراقبة الموقف على الطبيعة وفي 9 مارس 1969 ، أصر عبد المنعم رياض على زيارة المواقع الأمامية للجيهة وقد عارضه الضباط لأن المواقع الأمامية لايفصلها عن العدو سوى عرض القناة وهى داخل مرمى بنادقه ولكن عبد المنعم رياض أصر على موقفه وتوجه إلى الموقع (6) بالإسماعيلية وهو الموقع ذاته الذى كان أول ما فتح نيرانه على العدو بكل الأسلحة فى اليوم السابق لزيارة عبد المنعم رياض .
وبعد وصوله للموقع ب 15 دقيقة تجددت اشتباكات المدفعية وتبادل الجانبان القصف بالمدافع الثقيلة والدبابات وشارك رياض فى توجيه وإدارة هذة المعركة النيرانية إلا أن قذيفة مدفعية إسرائيلية أصابت المكان الذى كان يوجد فيه رياض واستشهد فى الحال .
منحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رتبه “فريق أول” فور استشهاده كما منحه وسام نجمة الشرف العسكرية وتمت إقامة نصب تذكارى له فى المكان الذى استشهد فيه وإطلاق اسمه على منطقة الموقع 6 بالإسماعيلية .
لقد كان استشهاد رئيس أركان حرب القوات المسلحة عبد المنعم رياض بين الصفوف الأولى لجنوده حدثا نادرا فى التاريخ العسكرى وتأثر الجيش المصرى لاستشهاد قائده وثأر له الجنود المصريون فى اليوم التالى مباشرة لاستشهاده عندما رصد أحد أبطال مصر من القناصة مجموعة ضباط إسرائيليين يتقدمهم ضابط كبير على مسافة 500 كم يهبطون من طائرة هيلوكوبتر وفى الحال كانت قذيفة قد أصابت الهدف وسقط القائد الإسرائيلى قتيلا ولم يكن سوى الجنرال تاك قائد القوات المدرعة الإسرائيلية فى سيناء فى هذا الوقت.
أبرز شهداء حرب أكتوبر
لواء مهندس أركان حرب أحمد حمدى
ولد فى 20 مايو 1929 ، كان والده من رجال التعليم بالمنصورة ، تخرج فى كلية الهندسة جامعة القاهرة – قسم ميكانيكا فى يونيو عام 1951 والتحق بالقوات الجوية فى 18 أغسطس 1959 ثم نقل إلى سلاح المهندسين عام 1954 .
وفى حرب عام 1967 كان يعمل نائبا لرئيس المهندسين بقيادة المنطقة العسكرية الشرقية ، وأسهم بجهد كبير فى التخطيط والتجهيز الهندسى لمنطقة سيناء .
استمر فى العمل كنائب لرئيس المهندسين للمنطقة الشرقية والجيش الثانى الميدانى بعد تقسيم المنطقة الشرقية إلى جيشين “الثانى والثالث ” وأسهم بجهود كبيرة فى إعادة تنظيم وتجهيز الدفاعات واستمر عمله فى الجيش الثانى وتولى قيادة لواء المهندسين المخصص لتنفيذ الأعمال الهندسية بالجيش الثانى وكانت القاعدة المتينة لمعركة أكتوبر 1973 .
فى عام 1971 كلف بتشكيل وإعداد لواء كبارى جديد كامل والذى تم تخصيصه لتامين عبور الجيش الثالث الميدانى .
قام بتشكيل وحدات لواء الكباري واستكمال معدات وبراطيم العبور وكان معظمها تصنيعا محليا بورش المهندسين وبورش الشركات المدينة تحت إشرافه وكان له الدور الرئيسى فى تطوير الكبارى الروسية الصنع لتلائم ظروف قناه السويس .
أسهم بنصيب كبير فى تجارب التغلب على الساتر الترابى ” خط بارليف ” وقام بجهود ضخمة لتأمين عبور الجيش الثالث الميدانى وكان يعى تماما المصاعب والمشاكل التى ستواجه وحدات الجيش الثالث لصعوبة ظروف القناة فى القطاع الجنوبى ( منطقة السويس ) .
وكلف أيضا بتجهيز مناطق أمامية على طول قناة السويس لتمركز وحدات الكبارى وهى مناطق جهزت بعشرات المئات من الحفر للعربات والمعدات والملاجئ والتحصينات والخنادق والدفاعات ، وتقدر أعمال الحفر فيها بحوالى 4 ملايين متر مكعب .
واستطاع البطل بالفعل أن يدرب وحدات كبارى الجيش الثالث على أعظم عمليات العبور وأعقدها فى الحرب الحديثة والتى شهد لها العالم بأسره.
عندما أعلنت ساعة الصفر وعند بدء تحرك وحدات الكبارى إلى قناة السويس للعبور ، طلب بدوى من قيادة الجيش التحرك شخصيا من مقر قيادته إلى قناة السويس ليشارك أفراده فى العمل من أول لحظة ولكن جاء الرد بعدم الموافقة لضرورة وجوده فى مقر قيادتة للمتابعة والسيطرة علاوة على الخطورة على حياته ولكنه غضب وألح فى الطلب أكثر من مرة وبالفعل أخذ الموافقة وتحرك باتجاه قناة السويس بعد وقت قصير من بدء المعركة واستمر طوال ليل 6 أكتوبر بلا نوم ولا راحة ينتقل من معبر إلى آخر حتى اطمأن إلى بدء تشغيل معظم المعابر والكبارى .
قصة استشهاده
فى يوم 14 أكتوبر 1973 كان يشارك بجوار جنوده فى إعادة إنشاء أحد الكبارى من أجل عبور قوات لها أهمية خاصة وضرورية لتطوير ودعم المعركة ، أثناء ذلك ظهرت فجأة مجموعة براطيم فارغة متجهة بفعل تيار المياه إلى الجزء الذى تم إنشاؤه من الكبرى معرضة هذا الجزء لخطر التدمير وبسرعة بديهة وفدائية قفز إلى نافلة برمائية كانت تقف على الشاطئ قرب الكوبرى وقادها بنفسه وسحب بها مجموعة البراطيم وتم إبعادها عن منطقة العمل ثم عاد لمباشرة استكمال عملية تركيب الكوبرى بجوار جنوده رغم استمرار القصف الجوى من طائرات العدو وقصف المدفعية وفجأة وقبل الانتهاء من إنشاء الكوبرى أصابته إحدى الشظايا المتطايرة وهو بين جنوده واستشهد في الحال فى 14 أكتوبر 1973 .
وتكريما لبطولاته منح وسام سيناء العسكرية كما تزامن يوم المهندس مع يوم استشهاده وقد افتتح الرئيس الراحل أنور السادات نفقا يربط سيناء بأرض مصر يحمل اسم الشهيد أحمد حمدى تقديرا لبطولتة وشجاعته
الفائقة .
الشهيد العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعى
هو قائد المجموعة 39 قتال التى أذاقت العدو الإسرائيلى الويلات في حرب الاستنزاف وهو قائد قوات الصاعقة خلال حرب أكتوبر .
الشهيد عبد المنعم رياض
ولد البطل بمحافظة الدقهلية فى 27 يونيو 1931 والتحق بالكلية الحربية فى نهاية عام 1951 وتخرج منها فى 27 يونيو 1954 ، وحصل على درجة أركان حرب عام 1959 .
عمل بسلاح المشاة ثم الصاعقة ومدرسا كما قام بتدريب الفدائيين الفلسطينين على أساليب الصاعقة ، واشترك فى حربى اليمن وبورسعيد عام 1956 ومعارك عام 1967 كما شارك بفعالية فى حرب الاستنزاف .
وقد عبر إبراهيم الرفاعى إلى غرب القناة أكثر من سبعين مرة قبيل اندلاع حرب أكتوبر نفذ خلالها عمليات انتحارية تفوق الوصف أبرزها تدمير مخازن الذخيرة المصرية التى تركتها القوات المصرية خلال عملية الانسحاب فى يونيو 1967 عندما تمكن ورفاقه الأبطال من تفجير تلك المخازن ، واستمرت النيران مشتعلة فيها ثلاثة أيام كاملة .
كما كلفت القوات المسلحة المصرية إبراهيم الرفاعى بالثأر للشهيد عبد المنعم رياض وقام على الفور بتدريب قوة من زملائه وشنوا هجوما على الموقع الإسرائيلى الذى أطلق النار على عبد المنعم رياض وهو موقع لسان التمساح بالضفة الشرقية ونجح إبراهيم الرفاعى ورفاقه فى مسح الموقع من على الأرض نهائيا ومات من الإسرائيليين على أقل التقديرات حوالى ثلاثين جنديا آنذاك .
وعندما اندلعت حرب أكتوبر كانت أولى مهامه يوم 6 أكتوبر هى نسف آبار البترول فى بلاعيم لحرمان إسرائيل منها ، وتدمير منشآت العدو فى رأس سدر ومخازن ذخيرة العدو فى الطور ومنشآت مطار الطور وكبد العدو خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات .
قصة استشهاده
في 18 أكتوبر 1973 ، تم تكليف الرفاعى بمهمة اختراق مواقع العدو غرب القناة والوصول إلى منطقة الدفرسوار لتدمير المعبر الذى أقامه العدو لعبور قواته وعلى الفور تحركت المجموعة لتنفيذ مهمتها الجديدة وما أن وصلت إلى منطقة الاسماعيلية فجر يوم الجمعة الموافق 19 أكتوبر حتى تغيرت المهمة من تدمير المعبر إلى رصد وتدمير قوات العدو والمدرعات ومنعها من التقدم فى اتجاه طريق الإسماعيلية / القاهرة .
وعلى الفور قام الرفاعى بدراسة سريعة لمهمته الجديدة ثم تحرك بمجموعته فى اليوم ذاته إلى منطقة نفيشة ومنها على جسر المحسمة وقسم قواته إلى ثلاث مجموعات احتلت كل مجموعة تبة والمجموعة الثالثة كلفت بتنظيم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من كوبرى المحسمة وحتى قرية نفيشة وما أن اتخذ الرجال مواقعهم حتى تقدمت كتيبة دبابات للعدو من منطقة نفيشة وعلى الفور بدأ الرجال الاشتباك معها وانهالت قذائف الصواريخ ( ار بى جى ) على دبابات العدو لتثنيه عن التقدم ليبدأ بعد ذلك فى الانسحاب .
ولكن الرفاعى رفض الاكتفاء بهذا النصر السريع وأمر رجاله بالضغط على العدو ومطاردته أثناء انسحابه لتكبيده أكبر الخسائر فى الأرواح والمعدات وبينما كان صوت المؤذن يتعالى بالآذان لصلاة الجمعة من مسجد قرية المحسمة سقطت إحدى دانات مدفعية العدو بالقرب من موقع إبراهيم الرفاعى وانفجرت لتصيبه إحدى شظاياها المتناثرة فسقط الرجل الأسطورى جريحا وحاول رفاقه إنقاذه ولكنه طلب منهم الاستمرار فى القتال ولفظ أنفاسه بعد لحظات وانضم إلى طابور الشهداء في 19 أكتوبر.
منحته الدولة وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى يوم 19 فبراير 1974 تقديرا لما قام به من أعمال فدائية فى ميدان القتال .
وبجانب بدوى والرفاعى هناك عشرات وعشرات من الشهداء الذين روت دمائهم أرض سيناء الحبيبة وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والبطولة حتى ترتفع رايات مصر عالية خفاقة والعزاء الوحيد أنهم أحياء عند ربهم يرزقون.