يوسف الشريف.. كاتب يهزم السرطان بحب الحياة
كتب سعيد الشحات
يحكي الكاتب الصحفي يوسف الشريف أنه أصيب ذات مرة في حادث بإصابات بالغة في قدمه، ولما أفاق من التخدير، وجد شقيقاته يجلسن بجواره، وشعر بألم قوي فتوجع: آه.. آه.. آه، فانتفضت شقيقاته نحوه، والخوف عليه يكاد يقتلهن، لكنه فاجأ الجميع بقوله: «آه.. آه.. يا لا للي»، انقلب المشهد من شكوي من المرض، وأنين من الوجع إلي قهقهة.. هأ.. هأ.. هأ.
لم تكن هذه الحكاية إلا واحدة من عشرات الحكايات الساخرة عن المرض وغيره مما رواها لي يوسف الشريف بوصفه مريضاً، قاوم المرض الخبيث، بحب الحياة وتأليف الكتب.. يحكي عن قصة اكتشافه المرض الخبيث قائلاً: «كان ذلك بالصدفة منذ نحو 7 سنوات، ولما أبلغني الطبيب بحقيقته، وقال: «ستدخل إلي الكيماوي»، فقلت له: «هي الحكاية دي مش هتخليني أتأهل» رد: يعني إيه تتأهل يا أستاذ يوسف، قلت: «يعني أتجوز».. ضحك الكل وأنا منهم.
بهذه البساطة استقبل يوسف الشريف الخبر فقرر أن يمتلك أسلحة مضادة للمرض يصفها: «عملت حالة تحول بيني وبين المرض» هناك ستارة أنزلتها بيني وبينه، يعني أنا لست مريضاً، والمرض يضرب دماغه في الحيطة، لو سألت زوجتي ستقول لك إنني لم أقل آه رغم كل الأوجاع».
ويضيف: المعنويات هي أهم حاجة في المرض، وهي لا تقوي إلا بالإيمان، وبأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
كان محمود السعدني شفاه الله يزورني ويقول لأصدقائي: «يوسف هيموت»، وكان محقاً في خوفه خاصة حين كان يراني بعد تناول الجرعات الكيماوية، التي تؤدي إلي سقوط الشعر ونحول الجسم، واستمر الوضع علي هذا الحال لسنوات حتي قال لي الطبيب «نحن جربنا كل شيء، وهناك نوع جديد من الدواء في أمريكا يتم تناوله علي 8 مرات»، وبالفعل أحضرناه وتناولته 6 مرات، ومنذ عامين لم يعاودني المرض.
ويضحك الشريف من قلبه وهو يقول: المرض لم ينقطع فقط، وإنما شعري طلع من تاني أسود بعد أن كان أبيض.
أترك العم يوسف مسترسلاً في الحديث عن خطته الدفاعية لمقاومة المرض.. يقول: المعنويات القوية قادتني إلي الثقة بأنني سأشفي من المرض، ولهذا كنت أستقبل الأصدقاء والزوار وأذكر منهم محمد عودة وجلال عارف ومحمد الخولي، وقبل أن يسألني أحد عن المرض أذكر له آخر نكتة، وأتحدث عن المرض كمرض اجتماعي وبشكل أدبي..
يضيف: المرض يعطي نوعاً من الفراسة والتنبؤ لأنك تكون في درجة توحد نفسي هائلة، وأذكر أنني قلت في شدة المرض إن الانتفاضة الفلسطينية لن تعمل تراكم.. وعلي الفلسطينيين أن يعملوا ما فعله الجزائريون في مقاومة الاستعمار الفرنسي.
أسأل يوسف الشريف عن حكاية التوحد النفسي فيجيب: تصدق أن المرض يأتيني بخفة دم، وحين أكون وحيداً أحتضن نفسي، وأحب نفسي، وحواري لا ينقطع مع الله، وتأتيني الأحلام المحببة، ومؤخراً شاهدت عباس الأسواني فقلت له مبروك ياعباس ابنك علاء كتب قصة «شيكاجو» وهي رواية جميلة جديدة، أما محمد عودة فرأيته مرتدياً بدلة بيضاء وكرافتة حمراء، ويجلس في شقة واسعة كان يتمناها في حياته، ومن حوله ضيوف كثيرون يتحدثون معه بحب، ويقول لي: شوف يايوسف مني جهزت الأكل في المطبخ.. -يقصد مني زوجته، - وأظن أن هذا الحلم كان تعويضاً عن أنه مات دون أن يودعنا نحن الذين أحببناه، وجعل منزله ملتقي للمثقفين ومنبراً اجتماعياً.
كيف يمكن أن يكون المرض بكل قسوته حافزاً للإبداع؟.. طرحت هذا السؤال علي يوسف الشريف فقال: امتلاك إرادة الحياة للمريض يحفزه علي الإبداع في مجاله، ألفت ثمانية كتب معظمها عن ظرفاء وصعاليك العصر، مثل كتاب «زكريا الحجاوي» الصادر مؤخراً
أضاف الشريف أثناء مرضه إلي سلسلة الظرفاء كتباً سياسية أخري، لكن يبقي حنينه الأساسي إلي الظرفاء والصعاليك الذين جاءوه -كما يقول- في رحلة المرض، يسألون عنه فيجيب: «أعيش الحياة لأرد لكم بعض الدين الذي أحمله في عنقي».